في تحول ملحوظ نحو تبسيط المنظومة المالية وتحسين مناخ الاستثمار، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي باستبدال الرسوم التي تفرضها الجهات الحكومية المختلفة على الشركات بضريبة موحدة إضافية على صافي الأرباح، في خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء الإدارية وتقليل التعقيدات التي يواجهها المستثمرون المحليون والأجانب.
من تعدد الجهات إلى مركزية التحصيل
القرار يعكس توجهاً استراتيجياً نحو توحيد جهة التحصيل، وهو مطلب لطالما نادت به دوائر الأعمال لتقليص التكاليف الإجرائية وتبسيط العمليات المحاسبية.
الرسوم المتفرقة، التي كانت تُفرض من قبل جهات وهيئات متعددة، كثيراً ما شكلت عبئاً غير مرئي يعوق تدفق الاستثمارات ويزيد من درجة عدم اليقين لدى المستثمر.
ضريبة موحدة على الأرباح – التي لم يُعلن بعد عن نسبتها الدقيقة – من المتوقع أن تعزز الشفافية، وتحسّن القدرة على التنبؤ بالتكاليف الضريبية، وهو عنصر حاسم في بيئة الاستثمار.
زيادة إيرادات الضرائب.. هدف مزدوج
يأتي هذا التعديل بالتزامن مع خطة طموحة من الحكومة لزيادة الإيرادات الضريبية، لا سيما من ضريبة القيمة المضافة، والتي تستهدف نمواً بنسبة 50.2% خلال العام المالي 2025 /2026.
إجمالاً، تسعى الحكومة لتحصيل 1.103 تريليون جنيه من الضرائب على السلع والخدمات، بزيادة قدرها 34.4% عن العام السابق.
وتؤكد البيانات الرسمية أن الدولة نجحت بالفعل في تحقيق نمو كبير بإيرادات الضرائب، إذ ارتفعت بنسبة 38% في النصف الأول من العام المالي الجاري لتسجل 913.4 مليار جنيه، ما يشير إلى تحسّن ملحوظ في كفاءة التحصيل.
إدخال الكيانات السيادية في المنظومة الضريبية
خطوة لافتة أخرى تتمثل في توسيع قاعدة الخضوع الضريبي لتشمل الجهات الاقتصادية والأجهزة السيادية، مثل هيئة المجتمعات العمرانية، وهي خطوة قد تُحدث تحولاً نوعياً في هيكل الحصيلة العامة.
إدماج هذه الجهات في المنظومة الضريبية من شأنه تعميق قاعدة الإيرادات، لكنه أيضاً قد يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق توازن بين الأدوار التنموية لهذه الجهات والتزاماتها المالية الجديدة.
الإصلاحات الجمركية.. تقليل زمن الإفراج وتحفيز التجارة
البيان الحكومي لم يغفل جانب الإصلاح الجمركي، إذ أعلنت الحكومة إجراءات لتسريع عملية الإفراج الجمركي، بما في ذلك السماح بسداد الرسوم بعد ساعات العمل الرسمية، واستمرار تشغيل المنافذ خلال العطلات.
هذا من شأنه خفض زمن الإفراج من 8 أيام إلى 6، ما ينعكس بشكل مباشر على تسهيل التجارة وخفض تكاليف الاستيراد، خاصة للقطاع الصناعي.
دعم الصادرات وتوسيع دور القطاع الخاص
الاجتماع الاقتصادي الذي ترأسه السيسي تناول أيضاً البرنامج الجديد لرد أعباء الصادرات، والذي يأتي في سياق دعم تنافسية المنتجات المصرية عالمياً، وزيادة قدرة القطاع الصناعي على التوسع في الأسواق الخارجية.
الرئيس شدد على أهمية إعطاء القطاع الخاص دوراً محورياً في عملية التنمية، من خلال تشجيع الاستثمار في الإنتاج والتصدير، وتوفير خدمات متكاملة للمصدرين.
ما يجري حالياً يعكس مسعى حثيثاً لإعادة هيكلة النظام المالي والضريبي في مصر بما يتماشى مع متطلبات جذب الاستثمار وتعزيز الاستدامة المالية.
التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة سيكون في تنفيذ هذه التعديلات بكفاءة، وضمان ألا تتحول الضريبة الموحدة إلى عبء جديد على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
كما سيكون من الضروري مراقبة الأثر طويل المدى لإخضاع الكيانات السيادية للضرائب، وهل ستُحدث فارقاً ملموساً في تقليص عجز الموازنة وتعزيز العدالة الضريبية.