أجمع ستة من المصرفيين والمحللين الماليين، في تصريحات لـ”الشرق”، على أن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يحمل في طياته تداعيات متباينة على مختلف القطاعات الاقتصادية.
فبينما تستفيد بعض القطاعات من تراجع تكلفة التمويل، تتكبد أخرى خسائر ناجمة عن انخفاض العوائد، في إطار توجه الدولة نحو سياسة نقدية أكثر مرونة.
خفض جديد في أسعار الفائدة
في اجتماعها الأخير، قررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 100 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإيداع إلى 24%، وسعر الإقراض لليلة واحدة إلى 25%، وسعر العملية الرئيسية إلى 24.5%.
كذلك تم خفض سعر الائتمان والخصم بنفس النسبة ليبلغ 24.5%.
هذا القرار جاء بعد خفض سابق بواقع 2.25% في مارس الماضي، ما يجعل إجمالي الخفض خلال الاجتماعين الأخيرين 325 نقطة أساس، وهو الأول من نوعه منذ أكثر من أربع سنوات.
الرابحون من قرار الخفض
1. الحكومة وتقليص عبء الدين
اعتبر محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، أن الحكومة من أكبر المستفيدين من خفض الفائدة، في ظل تراجع تكلفة خدمة الدين العام.
وتشير بيانات موازنة 2024-2025 إلى أن كل 1% زيادة في سعر الفائدة يضيف نحو 75-80 مليار جنيه سنوياً إلى عبء الفائدة، وبالتالي فإن خفض الفائدة الأخير قد يوفر على الموازنة ما يصل إلى 255 مليار جنيه سنوياً.
2. القطاع الخاص والمقترضون
خفض الفائدة يسهم في تحسين بيئة الاقتراض للقطاع الخاص، سواء المحلي أو الأجنبي، بحسب عبد العال. حيث تراجعت تكلفة الاقتراض من 28% إلى 25%، ما يشجع على التوسع في النشاط الاقتصادي، رغم الحاجة إلى خفض إضافي لتعزيز الجدوى الاستثمارية بشكل أكبر.
3. الاستثمار والإنتاج
يرى هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث في “الأهلي فاروس”، أن القرار يمثل دفعة إيجابية للاستثمار والأصول الإنتاجية، إذ يخفض تكلفة رأس المال ويدفع نحو تحريك عجلة الاستثمار، خاصة في ظل استقرار التضخم دون مستويات الفائدة.
4. البورصة المصرية
بحسب إدارة البحوث في “برايم”، فإن سوق الأسهم من أبرز المستفيدين من الخفض، إذ يُعزز من تقييمات الشركات المدرجة ويقلل تكلفة التمويل، ما ينعكس إيجاباً على أداء الأسهم والمؤشرات.
5. قطاع العقارات
سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقاً، أوضحت أن القطاع العقاري، خصوصاً التجاري والإداري، سيشهد تحسناً في الطلب نتيجة انخفاض تكلفة التمويل العقاري، ما يشجع المستثمرين والأفراد على زيادة الاقتراض وضخ الأموال في هذا القطاع.
الخاسرون من خفض الفائدة
1. البنوك
توقعت “برايم” أن تتأثر أرباح القطاع المصرفي سلباً على المدى المتوسط نتيجة تراجع العائدات من أدوات الدخل الثابت، رغم أن نمو القروض وزيادة النشاط الاقتصادي قد يعوضان جزءاً من هذا التأثير لاحقاً.
2. المودعون
بحسب سهر الدماطي، فإن خفض الفائدة يُضعف العائد على الشهادات والودائع، ما يمثل ضرراً لفئة المودعين، خصوصاً من الأفراد غير الملمين بفرص الاستثمار الأخرى. ورغم ذلك، يرى عبد العال أن العائد الحقيقي لا يزال إيجابياً في ظل تباطؤ التضخم، مما يخفف من حدة التأثير.
3. الذهب
يتوقع جنينة أن يتراجع الإقبال على الذهب مع انخفاض الفائدة، نتيجة تحول السيولة إلى قنوات استثمارية أخرى أكثر جاذبية مثل الأسهم والعقارات.
وقد كان سعر جرام الذهب من عيار 21 قد اقترب من 5 آلاف جنيه في أبريل قبل أن ينخفض لاحقاً.
4. شركات المدفوعات واستثمارات الدخل الثابت
تراجُع العائد على أدوات الدين يضعف جاذبيتها الاستثمارية، بحسب سارة سعادة، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي في “سي آي كابيتال”.
وهو ما قد يدفع الأموال إلى التحول نحو البورصة. كذلك تتأثر شركات المدفوعات مثل “فوري” و”إنستا باي” و”بساطة” التي تستثمر سيولتها في أدوات الدخل الثابت.
ماذا عن أدوات الدين؟
رغم المخاوف المحتملة، استبعدت “برايم” تراجع جاذبية أذون وسندات الخزانة، مشيرة إلى أن انخفاض العائد يقابله أيضاً انخفاض في المخاطر، خصوصاً مع تحسن تقييم مصر السيادي وانخفاض تكلفة التأمين على الديون من 688 نقطة أساس في أبريل إلى 581 نقطة في مايو.
وأكد كل من عبد العال والدماطي أن العائد الحالي على أدوات الدين الحكومية لا يزال مغرياً، لاسيما للمستثمرين الأجانب الباحثين عن عوائد مرتفعة بالعملة المحلية.
توقعات النمو
تسعى الحكومة إلى رفع معدل نمو الاقتصاد إلى 4% خلال العام المالي الحالي، مقارنة بـ2.4% العام السابق، على أن يرتفع إلى 4.5% في العام المالي 2025-2026، بحسب تصريحات وزيرة التخطيط رانيا المشاط.