تسود حالة من الترقب في الأوساط الاقتصادية قبيل الاجتماع الثالث للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، وسط تباين في توقعات المحللين بشأن المسار المحتمل لأسعار الفائدة، في ظل مستجدات محلية وعالمية تشمل ارتفاع أسعار المحروقات وتزايد التضخم من جهة، واتساع الفارق بين معدل الفائدة والتضخم من جهة أخرى.
في استطلاع أجرته “الشرق” شمل 11 بنكًا استثماريًا، مال الرأي الغالب، ممثلًا في 6 بنوك، إلى ترجيح إبقاء البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير خلال الاجتماع المرتقب نهاية الأسبوع الجاري.
ويستند هذا التوجه إلى استمرار المخاوف من تصاعد معدلات التضخم، خصوصًا مع الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، والتي يُتوقع أن تظهر آثارها بشكل أوضح في بيانات شهر مايو.
استمرار التضخم وضبابية الجغرافيا السياسية يدفعان نحو الحذر
المؤيدون لقرار التثبيت يشيرون إلى أن الارتفاع الطفيف في معدل التضخم السنوي إلى 13.5% خلال أبريل، مقابل 13.1% في مارس، لا يُعد مقلقًا في حد ذاته، لكن في ظل حالة عدم اليقين الإقليمي وغياب مؤشرات قوية على هدوء الأسعار، فإن التريث يبدو الخيار الأرجح حتى تتضح الصورة بشكل أكبر، لا سيما مع قرار الفيدرالي الأميركي الأخير بتثبيت الفائدة.
توقعات بتخفيض طفيف في أسعار الفائدة
في المقابل، رأت 5 مؤسسات مالية أن البنك المركزي قد يتجه إلى خفض جديد يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس، مستندين إلى ارتفاع الفائدة الحقيقية، وعودة معدلات التضخم إلى مستويات أقل من الذروة، إلى جانب تحسن المؤشرات الكلية، مما يفتح الباب أمام استمرار السياسة التيسيرية.
توقع محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في “إي إف جي القابضة”، أن يتراوح الخفض المقبل بين 1 و2%، مشيرًا إلى أن معدل التضخم لا يزال داخل النطاق المقبول، ما يعزز فرص اتخاذ خطوة جديدة نحو التيسير النقدي، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية.
وأعربت إسراء أحمد، من “الأهلي فاروس”، عن رأي مماثل، مرجحة أن يؤدي تراجع أسعار السلع عالميًا، وغياب خطط حكومية لرفع أسعار الكهرباء، إلى تخفيف الضغوط التضخمية، مما يدعم خفض الفائدة دون المساس بهدف خفض التضخم.
تأثير محدود على الأعمال.. وتباين في الرؤى بين المستثمرين
أبدى عدد من رجال الأعمال تحفظًا على تأثير قرار الخفض السابق، معتبرين أنه غير كافٍ لتغيير واقع التحديات الاقتصادية الحالية، بينما رأى آخرون أن القرار ينعكس بشكل إيجابي على قطاعات مثل العقارات والتمويل الاستهلاكي، من خلال تخفيض تكلفة الاقتراض وتحفيز النشاط.
دعوات للتدرج وتحذيرات من التسرع
من جهتها، توقعت آية زهير، رئيسة البحوث بـ”زيلا كابيتال”، أن يُقدم البنك المركزي على خفض جديد لأسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو التيسير، والذي بدأته بالفعل بنوك مركزية كبرى مثل الأوروبي والإنجليزي.
في المقابل، رجّح عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في “ثاندر”، أن يُبقي البنك على أسعار الفائدة دون تغيير حتى أغسطس المقبل، مستبعدًا أي خفض في المدى القريب بسبب الظروف العالمية والمحلية التي تتطلب الحذر في اتخاذ القرارات النقدية.
البيانات المحلية تدعم الحذر في أسعار الفائدة
وكان البنك المركزي المصري قد خفّض أسعار الفائدة بواقع 225 نقطة أساس في اجتماعه الماضي، في أول تحرك تيسيري منذ 4 سنوات.
وأشار في بيانه حينها إلى أن الأداء الشهري لمعدلات التضخم بدأ يتجه نحو النمط الطبيعي، مع توقعات باستمرار التراجع في وتيرة التضخم خلال العامين الجاري والمقبل.
غير أن مؤشرات اقتصادية مثل تراجع مؤشر مديري المشتريات إلى 48.5 نقطة في أبريل تعكس استمرار انكماش القطاع الخاص غير النفطي، بما يستدعي توازنًا دقيقًا في السياسات بين دعم النمو واحتواء التضخم.
وفي السياق نفسه، رأت سلمى طه حسين من “نعيم للوساطة” أن التثبيت يبدو الخيار الأنسب في الوقت الراهن، لضمان عدم خلق ضغوط تضخمية إضافية، مشددة على أهمية مراقبة فجوة الإنتاج كمؤشر رئيسي في قرارات السياسة النقدية.