أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الاقتصاد المصري شهد نموًا ملحوظًا خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري، حيث سجّل الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو بلغ 4.3%، وهو الأعلى منذ أكثر من عامين، مقارنة بـ2.3% في نفس الربع من العام السابق، و3.7% في الربع الأول من العام الجاري.
وأوضحت الوزيرة أن هذا النمو جاء مدفوعًا بقطاعات إنتاجية قابلة للتبادل التجاري، أبرزها الصناعات التحويلية غير البترولية التي حققت قفزة بنسبة 17.7%، مقارنة بانكماش قدره 11.56% خلال نفس الفترة من العام الماضي،
إلى جانب قطاع السياحة الذي نما بنسبة 18%، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 10.4%. وأشارت إلى أن هذه المؤشرات تعكس التحول الهيكلي الذي يشهده الاقتصاد المصري نحو نموذج أكثر استدامة وإنتاجية.
وفي السياق ذاته، لفتت إلى النمو الملحوظ في استثمارات القطاع الخاص بنسبة 35.4% على أساس ربع سنوي، مقابل انكماش في الاستثمارات العامة بنسبة 25.7%، نتيجة التزام الدولة بسياسات ضبط الاستثمارات العامة، وتوجيهها نحو القطاعات ذات الأولوية.
وأشارت إلى أن الاستثمارات الخاصة استحوذت على أكثر من 50% من إجمالي الاستثمارات، وهو ما يؤكد اتساع دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
تحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر الإصلاحات الهيكلية
وخلال كلمتها في النسخة التاسعة من قمة “صوت مصر”، التي عُقدت تحت رعاية عدة وزارات وبمشاركة شخصيات بارزة من الحكومة والقطاع الخاص، أكدت المشاط أن الحكومة المصرية ملتزمة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي باعتباره أساسًا ضروريًا لتحقيق التنمية المستدامة.
وأوضحت أن برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، الذي بدأ تنفيذه منذ مارس 2024، يتضمن إجراءات شاملة لضبط السياسات المالية والنقدية، وإطلاق حوافز موسعة لدعم القطاع الخاص وخلق بيئة استثمارية أكثر تنافسية.
السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية
كما كشفت وزيرة التخطيط عن استمرار العمل على صياغة “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”، التي تهدف إلى تمكين الدولة من التحول إلى نموذج تنموي يقوم على القطاعات القابلة للتصدير، ويعتمد على رفع الإنتاجية وتعزيز الصادرات ذات القيمة المضافة.
وأكدت أن الأولويات تشمل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوطين الصناعة، وتعزيز البنية التحتية، وخلق فرص عمل جديدة، ودعم الابتكار والمشروعات الخضراء، مع تحسين بيئة الأعمال لتمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في الاقتصاد.
تمويل التنمية والاستراتيجية الوطنية الأولى من نوعها
وفي هذا الإطار، أكدت المشاط أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب توفير التمويل اللازم، لذا أطلقت الوزارة “الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية” كأول إطار وطني من نوعه، لتحديد الفجوات التمويلية في القطاعات ذات الأولوية، ووضع خارطة طريق لتمويل مستدام ومبتكر، يقوم على زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر وتفعيل الشراكات مع القطاع الخاص.
التنمية البشرية في قلب الأولويات
وأشارت إلى أن الحكومة تعيد توجيه الاستثمارات العامة نحو رأس المال البشري، حيث تم تخصيص 45% من استثمارات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي المقبل لصالح مجالات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، بينما تم تخصيص 35% للبنية التحتية والتنمية الصناعية، و19% للتنمية المحلية في المحافظات.
برنامج إصلاح شامل بثلاث ركائز رئيسية
استعرضت الوزيرة الركائز الثلاث التي يستند إليها برنامج الإصلاح الهيكلي، وهي:
- تعزيز مرونة واستقرار الاقتصاد الكلي، من خلال تبسيط الإجراءات الضريبية، وتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإقرار قانون المالية العامة الموحد.
- تحسين بيئة الأعمال وتعزيز القدرة التنافسية، عبر إصدار قانون تنظيم ملكية الدولة، وتفعيل جهاز حماية المنافسة، وميكنة نظام التراخيص، وإنشاء الجهاز المصري للملكية الفكرية.
- دعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، من خلال تفعيل نظام MRV لرصد الانبعاثات، واعتماد الاستراتيجية المعدلة للطاقة، والتوسع في أدوات التمويل الأخضر مثل مبادلات الديون والسندات الخضراء.
التمويلات التنموية تدعم ريادة الأعمال والتحول الأخضر
وفيما يتعلق بالتمويل التنموي، أكدت المشاط أن التمويلات الميسرة التي حصل عليها القطاع الخاص المصري من شركاء التنمية بين عامي 2020 و2024 تجاوزت 14.5 مليار دولار، منها 4.2 مليار دولار خلال العام الماضي فقط، لتتجاوز للمرة الأولى التمويلات المخصصة للحكومة، وهو ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرات القطاع الخاص المصري.
كما أشارت وزيرة التخطيط، إلى أن هذه التمويلات ساهمت في دعم مشروعات طاقة متجددة بقدرة 4.2 جيجاوات ضمن برنامج “نُوفّي”، في إطار توجه مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة.
ولفتت إلى التعاون الجاري مع البنك الأفريقي للتنمية لإطلاق مبادرة جديدة لتعزيز التعاون بين دول الجنوب لتكرار نموذج “نُوفّي” في دول أخرى.
خارطة طريق جديدة لريادة الأعمال
واختتمت الوزيرة كلمتها بالإشارة إلى الاهتمام الحكومي المتزايد بريادة الأعمال باعتبارها محركًا للنمو الاقتصادي، موضحة أن المجموعة الوزارية لريادة الأعمال – برئاستها – تعمل حاليًا على الانتهاء من “ميثاق الشركات الناشئة”، الذي يحدد حوافز وإجراءات مبسطة لتعزيز بيئة ريادة الأعمال، إلى جانب إعداد مبادرة تمويلية موحدة لدعم الشركات الناشئة، ووضع تعريف موحد لهذه الشركات مع توفير تيسيرات في التسجيل والتراخيص.