التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران تركت تأثيرا سلبًا على قطاع السياحة المصري، حيث سجلت الشركات السياحية المحلية ارتفاعًا في معدلات إلغاء الرحلات الوافدة تجاوز 10% في المتوسط منذ يوم الجمعة الماضي، وسط شبه توقف في تلقي حجوزات جديدة، وفقًا لما أكده عدد من كبار المسؤولين في القطاع لـ”الشرق”.
ويأتي هذا التراجع في وقت كانت تعوّل فيه الحكومة المصرية على تحقيق نمو سنوي في أعداد السياح بنسبة 14% بنهاية 2025، بما يعادل 18 مليون زائر، بحسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
الضربة الأكبر للسياحة الثقافية
كشف أحد مسؤولي الشركات، أن التأثير الأكبر طال “السياحة الثقافية”، التي تعتمد على التنقل وزيارة المواقع الأثرية، بعكس السياحة الشاطئية التي غالبًا ما يبقى فيها السائح داخل المنتجع.
وأشار إلى أن الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران أثارت مخاوف أمنية دفعت شركات الطيران، مثل مصر للطيران، إلى تعليق بعض رحلاتها نحو عواصم عربية مثل بيروت وبغداد وعمان وأربيل.
هبوط حاد في الحجوزات الجديدة
من جانبه، أوضح مصطفى خليل، عضو مجلس الأعمال المصري الروسي، أن شركته سجلت نسب إلغاء بين 10% و12%، فيما تراجعت الحجوزات الجديدة بنحو 70%.
وأشار إلى أن أكبر الانسحابات جاءت من أسواق غرب أوروبا ودول شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس والجزائر، وسط مخاوف من توسع النزاع وتعطيل حركة الطيران في المنطقة.
مؤشرات متباينة من الأسواق الأوروبية
ورغم الإلغاءات، أشار محمد أشرف، مدير تطوير الأعمال بشركة “بلو سكاي”، إلى أن شركته لم تتلق حتى الآن إلغاءات من أسواق أوروبا الغربية مثل فرنسا وألمانيا والمجر والتشيك، لكن في المقابل فإنها لم تسجل أي حجوزات جديدة منذ اندلاع التصعيد العسكري، باستثناء بعض الأسواق في أوروبا الشرقية.
وفي السياق ذاته، قال كريم المنباوي، رئيس شركة “أمكو للسياحة”، إن التهديد الأكبر في المرحلة الحالية يتمثل في “غياب الحجوزات الجديدة”، مشيرًا إلى أن بعض الإلغاءات شملت رحلات مشتركة إلى إسرائيل والأردن، وسط مخاوف من استمرار التصعيد.
استقرار نسبي في الوجهات الشاطئية
رغم حالة القلق، لا تزال الوجهات الساحلية تحتفظ بمعدلات إشغال قوية نسبيًا. إذ أوضح عاطف عبداللطيف، عضو جمعية مستثمري السياحة بجنوب سيناء، أن نسب الإشغال في الغردقة تتراوح بين 80% إلى 85%، وفي مرسى علم بين 70% إلى 80%، بينما تسجل شرم الشيخ معدلات أقل، تتراوح بين 55% إلى 60%.
ولفت إلى أن هناك “تباطؤًا” في الطلب الجديد، لكنه أعرب عن تفاؤله بأن التراجع الحالي سيكون محدودًا حال استقرت الأوضاع الأمنية.
معدلات الطيران طبيعية رغم القلق
قال حسام هزاع، عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، إن معدلات حركة الطيران لا تزال طبيعية، في ظل عدم صدور قرارات بحظر السفر إلى مصر، رغم التوترات الإقليمية.
وأوضح أن الفترة الصيفية عادة ما تشهد تدفقات من دول الخليج وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
وأشار إلى أن قطاع السياحة المصري سبق أن أثبت مرونته، إذ صمد أمام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك الصراع بين إسرائيل وحماس على حدود البلاد، لافتًا إلى أن التأجيل الأخير لافتتاح المتحف المصري الكبير حتى نهاية العام ربما يؤثر سلبًا على تدفقات الزائرين المتوقعة خلال موسم الصيف.
السياحة كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي
يُذكر أن قطاع السياحة يمثل أحد أهم مصادر العملة الصعبة في مصر، حيث سجلت إيراداته خلال عام 2024 نحو 15.3 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 9%، وفقًا لبيانات البنك المركزي. وفي الربع الأول من 2025، استقبلت مصر 3.9 مليون سائح، بزيادة سنوية قدرها 25%.
وفي أكتوبر الماضي، أطلقت الحكومة مبادرة بقيمة 50 مليار جنيه لدعم شركات السياحة وزيادة الطاقة الفندقية، بفائدة متناقصة تبلغ 12%، ضمن جهودها لتحقيق هدف استقطاب 30 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2031.
ورغم التحديات، يظل الأمل معقودًا على استعادة الزخم السياحي خلال الفترة المقبلة، إذا ما استقرت الأوضاع الجيوسياسية في الإقليم.