في الوقت الذي تحتفي فيه منظمة التجارة العالمية بمرور ثلاثة عقود على تأسيسها عام 1995، عبر قسم خاص على موقعها الإلكتروني يوثق أبرز إنجازاتها وفعاليات الاحتفال،
يبدو الواقع الاقتصادي والتجاري العالمي في منحى مغاير لما تصفه المنظمة بـ”الحقبة الذهبية” التي شهدت توافقاً دولياً على تنظيم التجارة العالمية.
تُبرز المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقراً لها، دورها المحوري في توسيع نطاق التجارة الدولية خلال العقود الثلاثة الماضية، مؤكدة أن هذا التوسع ساهم في خلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
غير أن المتغيرات الجيوسياسية والقرارات الاقتصادية الأخيرة، خاصة من جانب الولايات المتحدة، ألقت بظلال قاتمة على هذا الإرث.
سياسات حمائية وتراجع في التجارة
منذ عودته إلى البيت الأبيض، رسّخ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهجاً حمائياً صارماً، مثّل انقلاباً على المبادئ التي تأسست عليها منظمة التجارة العالمية.
فقد فرض رسوماً جمركية لا تقل عن 10% على معظم الواردات الأمريكية، ورفع هذه الرسوم إلى مستويات قياسية في قطاعات استراتيجية مثل السيارات والصلب، بينما صعّد المواجهة مع الصين لتصل الرسوم على بعض السلع إلى 145%.
هذا التصعيد الجمركي أدى إلى حالة من القلق المتزايد في الأسواق العالمية، حيث بدأت الشركات بتقليص طلبياتها، وتباطأت خطوط الإنتاج، ما دفع منظمة التجارة العالمية إلى خفض توقعاتها لحجم تجارة السلع العالمية لعام 2025، مرجحة انكماشها بنسبة 0.2%، بعدما كانت التقديرات السابقة تشير إلى نمو بنسبة 3.2%.
أثر مباشر على سلاسل التوريد والإنتاج في الصين
في معرض “كانتون” التجاري بمدينة غوانجو الصينية، وهو أكبر حدث تجاري سنوي على مستوى العالم، سادت أجواء من الإحباط بين المصنعين والمستوردين، خصوصاً الأميركيين الذين تقلص حضورهم بشكل لافت.
وأكد عدد من التنفيذيين أن السياسات الجمركية الأميركية أضرت بثقة المستثمرين، وأجبرت كثيراً من الشركات على إعادة النظر في مواقع إنتاجها.
جاك هول، مؤسس شركة كندية متخصصة في الأجهزة المنزلية الموجهة للسوق الأمريكية، قال إنه أوقف الاستيراد من الصين بالكامل، ويعتزم نقل خطوط الإنتاج إلى وجهات أخرى، مضيفاً أن شركته تعوّل حالياً على المخزون المتبقي في مستودعاتها داخل الولايات المتحدة.
أما بول ماغراث، مالك شركة أميركية تنتج أجهزة طعام للحيوانات الأليفة، فأشار إلى أنه اضطر لرفع سعر منتجه من 299 إلى 399 دولاراً بعد فرض رسم جمركي نسبته 20%، لكنه يعجز الآن عن التسعير بعد أن بلغت الرسوم 145%. وقال: “كنا نتوقع زيادات، لكن ما نراه الآن غير مسبوق، إنه أشبه بالجنون”.
مستقبل منظمة التجارة العالمية على المحك
وسط هذا المشهد، يبدو أن منظمة التجارة العالمية باتت مطالبة بإعادة تعريف دورها واستراتيجيتها في ظل نظام عالمي يتجه نحو تعددية مصلحية وقرارات اقتصادية أحادية الجانب.
وبينما تحتفل المنظمة بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسها، تلوح في الأفق تحديات جدية تهدد قدرتها على التأثير، وعلى الحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف الذي أنشأته قبل ثلاثة عقود.