عاد قانون الإيجارات القديمة إلى صدارة المشهد التشريعي في مصر خلال الأشهر الماضية، بعد صدور حكم تاريخي من المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024، يقضي بعدم دستورية بعض بنود قانون الإيجار القديم، وهو ما فتح الباب أمام تعديلات قانونية طال انتظارها.
وفي ظل الجدل المجتمعي الواسع حول هذا الملف، بدأت الحكومة والبرلمان خطوات فعلية نحو صياغة قانون جديد يعيد التوازن للعلاقة بين المالك والمستأجر، ويحافظ على العدالة الاجتماعية.
الحكومة تؤكد مراعاة البعد الاجتماعي في القانون الجديد
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة وضعت مشروع قانون الإيجار القديم بعناية فائقة لضمان تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين. وأوضح أن التشريع الجديد سيراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للطرفين.
وخلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي، أعلن مدبولي أن مشروع القانون أُحيل رسميًا إلى مجلس النواب لبدء مناقشته، تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية العليا، والذي ألزم الدولة بوضع ضوابط واضحة تنظم العلاقة الإيجارية قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالي.
وأضاف مدبولي أن إعداد المشروع تم بالتنسيق الكامل مع الوزارات والجهات المعنية، ويهدف إلى فتح حوار مجتمعي موسع حول آليات الإصلاح، بما يضمن الخروج بقانون عادل ومتوازن.
أبرز ملامح القانون المقترح:
- تحديد قيم إيجارية تتناسب مع طبيعة المدن والقرى.
- فترة انتقالية لا تقل عن خمس سنوات لتطبيق القانون تدريجيًا.
- زيادات سنوية مدروسة لتجنب أعباء مفاجئة على المستأجرين.
- ضمانات خاصة لحماية الفئات الاجتماعية غير القادرة.
- نقاش برلماني مفتوح لتعديلات تضمن التوافق المجتمعي.
وختم رئيس الوزراء تصريحاته برسالة طمأنة للمواطنين، قائلاً: “نعي تمامًا أن قانون الإيجار القديم من الملفات التي تهم الرأي العام، والحكومة حريصة على أن يكون التعديل في صالح الاستقرار الاجتماعي والعدالة بين الجميع”.
اقرا المزيد: الحكومة ترسم ملامح قانون الإيجار القديم.. ومدبولي يوجه رسائل طمأنة
حكم دستوري غيّر المعادلة
في نوفمبر 2024، قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من قانون الإيجار الصادر عام 1981.
وبررت المحكمة حكمها بأن تثبيت القيمة الإيجارية لسنوات طويلة دون النظر إلى معدلات التضخم وتغيرات السوق يُعد إخلالاً بمبدأ العدالة وانتهاكاً لحق الملكية.
تفاصيل الحكم
- القوانين القديمة كانت تثبت القيمة الإيجارية بنسبة 7% فقط من قيمة الأرض وتكلفة المبنى وقت الترخيص.
- المحكمة طالبت مجلس النواب بسرعة التدخل التشريعي لتعديل القوانين قبل نهاية الفصل التشريعي الحالي.
- الهدف من الحكم هو تصحيح أوضاع تاريخية لم تعد مناسبة للواقع الاقتصادي.
نظرة تاريخية على قوانين الإيجار في مصر
بدأ تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في مصر منذ عام 1920، حين صدر أول قانون يثبت الإيجارات عند مستوى أغسطس 1914، مع زيادة بنسبة 50% ومنع الطرد إلا بحكم قضائي.
خلال الحرب العالمية الثانية، صدر قانون عام 1941 يمنع الملاك من رفع الإيجار أو إخلاء المستأجرين. وتوالت هذه السياسات بعد ثورة يوليو 1952، حيث صدرت عدة قوانين تُلزم الملاك بتخفيض الإيجارات، ما أسس لنظام امتد لعقود طويلة.
في عام 1981، صدر قانون جديد للإيجار القديم أبقى على تثبيت الإيجار عند 7% من قيمة الأرض، مع زيادات طفيفة تتراوح بين 5% و30% للمحال والوحدات غير السكنية، وفقًا لتاريخ الإنشاء.
اقرأ المزيد.. من 1920 إلى 2024.. رحلة قانون الإيجارات القديمة في مصر
البرلمان يبدأ مناقشات القانون الجديد
يتصدر ملف تعديل قانون الإيجارات القديمة أجندة المناقشات داخل مجلس النواب المصري، وسط مطالبات متزايدة بإعادة التوازن إلى العلاقة بين المالك والمستأجر. وأحال البرلمان مشروعي قانونين مقدمين من الحكومة إلى لجنة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة لدراستهما وإعداد تقرير بشأنهما.
تفاصيل مشروعي القانون:
- المشروع الأول: يتناول بعض الأحكام المتعلقة بإيجار الأماكن.
- المشروع الثاني: يعدل القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي انتهت عقود إيجارها دون حق البقاء.
أهداف التعديلات المقترحة في القانون الجديد
تسعى الحكومة والبرلمان من خلال التشريعات الجديدة إلى:
- إعادة التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية.
- تصحيح التشوهات الناتجة عن تجميد القيم الإيجارية.
- الحفاظ على الثروة العقارية وتحفيز الملاك على الصيانة والتطوير.
- تحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة البعد الاقتصادي لكل من المالك والمستأجر.
أهمية الحوار المجتمعي في صياغة القانون
وجه رئيس مجلس النواب بعقد حوار مجتمعي شامل يضم:
- الوزارات المختصة مثل الإسكان والتنمية المحلية.
- الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- المجلس القومي لحقوق الإنسان.
- خبراء القانون المدني وأساتذة الجامعات.
وأكدت لجنة الإسكان ضرورة وجود حصر دقيق للوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم. وتشير تقديرات وزارة الإسكان (بيانات 2017) إلى وجود نحو 3 ملايين وحدة، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن العدد يتجاوز 10 ملايين وحدة.
توصيات لجنة الإسكان بمجلس النواب
خلصت لجنة الإسكان إلى التوصيات التالية:
- ضرورة تعديل القوانين المنظمة للإيجار القديم.
- الالتزام بالتكليفات الرئاسية لإصلاح العلاقة الإيجارية.
- إعداد مشروع قانون متوازن يراعي الوضع الاقتصادي للمستأجرين ولا يضر بحقوق الملاك.
تصريح رئيس مجلس النواب
قال المستشار الدكتور حنفي جبالي: “أطمئن الجميع بأن قانون الإيجار القديم لن يخرج من البرلمان إلا بصيغة تشريعية متوازنة تضمن حقوق طرفي العلاقة وتحقق العدالة بينهما”.
اقرأ المزيد.. القانون الجديد للإيجارات القديمة.. ما هي أبرز الملامح؟
بدء جلسات الاستماع والمناقشات المجتمعية
أعلن النائب أمين مسعود، أمين سر لجنة الإسكان، أن جلسات الاستماع بشأن قانون الإيجار القديم ستبدأ الأسبوع المقبل، وتشمل جميع الفئات المجتمعية، بدءًا من المستأجرين، مرورًا بالملاك، وصولًا إلى الخبراء وأساتذة الهندسة.
أبرز تصريحات النائب أمين مسعود:
- الحكومة تأخرت في إرسال القانون لكن اللجنة التزمت بإطار المحكمة الدستورية.
- القانون المقدم يتضمن زيادة سنوية وحد أدنى للإيجارات، وفترة انتقالية مقترحة لا تقل عن 5 سنوات.
- مدة الانتقال قابلة للتعديل خلال المناقشات: قد تكون 3 أو 7 أو 10 سنوات.
- الأولوية لحماية الفئات الأشد احتياجًا مثل أصحاب معاش “تكافل وكرامة”.
- معالجة قضية الشقق المغلقة التي تصل إلى حوالي 450 ألف شقة في القاهرة.
اقرأ المزيد.. لجنة الإسكان بمجلس النواب توضح موعد إقرار تعديلات قانون الإيجار القديم
يمثل تعديل قانون الإيجار القديم في مصر لحظة فارقة في تطوير التشريعات العقارية وتحقيق العدالة بين المالك والمستأجر. ومن المتوقع أن يكون القانون الجديد أحد أبرز التشريعات المؤثرة في القطاع السكني خلال عام 2025. ومع انطلاق جلسات الحوار المجتمعي في البرلمان، تبقى الأنظار متجهة نحو ما ستسفر عنه المناقشات، في محاولة لصياغة قانون عادل يعيد الحقوق ويحافظ على الاستقرار الاجتماعي.